أعرضوا عن دسكورد
على مدار تسعِ سنواتٍ عجاف، ظللتُ قابعًا داخل تلك المطمورة الرقمية المستلِبة لحرية المستخدمين، والتي تُسمي نفسها ديسكورد. وبشروق شمس هذا اليوم، مُنِّع حسابي؛ فإذا بالسجَّان يلفظ سجينَه.
إن هذه الواقعة لبرهانٌ ساطع على صدقِ نُذُرِنا الدائمة من مغبَّة البرمجيات المحتكرة، وما يُعرف بـ«البرمجيات كخدمة»، تلك التي يُطلق عليها زورًا وبهتانًا اسم «الخدمات السحابية».
حينما تستخدم برمجيةً كعميل ديسكورد، فإنك لا تُشغِّل الأداة، بل تُمكِّن الأداةَ من أن تُشغِّلك. إن هذه البرمجيات المحتكرة، إذ تَحرم المستخدمين من حقهم الأصيل في دراسة المصدر البرمجي، أو تعديله، أو إعادة توزيعه، فإنها تفتقر إلى أدنى مقومات الثقة. إنها لا تعدو كونها برمجيةً خبيثةً تتلصص على أحاديثك، وتُدون بياناتك الوصفية، وترسم خريطة علاقاتك الاجتماعية لتقدمها قربانًا لشركةٍ تتعامل مع حياتك الشخصية كسلعةٍ قابلةٍ للاستغلال.
بيد أن المعضلة تتجاوز حدود العميل؛ فمنصة ديسكورد نظامٌ مركزيٌ قابض؛ ما يعني أن شركةً واحدةً تنفرد بسلطانٍ مطلقٍ على الخوادم. في عالمٍ ينشد الحرية، ينبغي أن يجري التواصل عبر بروتوكولات مفتوحة — كالبريد الإلكتروني أو بروتوكول (XMPP) — حيث لا يملك سيدٌ أوحدُ القدرةَ على تكميم فاهك. فإذا ما جارَ عليك مدير خادومٍ في شبكة (XMPP)، كان بوسعك الارتحال إلى خادومٍ آخر مع استبقاء حبل الود موصولًا بأصدقائك. أما في ديسكورد، فما إن ينزع السيدُ القابس، حتى يتلاشى وجودك من الأساس.
يزعمون أنني خالفتُ شروط خدمتهم، وأنا أُجزم أن وجودهم برمته مخالفٌ لشروط الحرية.
لسنواتٍ خلت، طالما قيل لي: «عليك بديسكورد، فالمجتمع هناك»؛ وتلك هي مصيدة «تأثير الشبكة». إنه استعمارٌ رقميٌ للتفاعل البشري. ففي اللحظة التي ننقل فيها مجتمعاتنا إلى هذه الحدائق المُسيَّجة، نكون قد تنازلنا عن استقلالنا الذاتي، واستبدلنا الساحة العامة بمركز تسوقٍ خاص، يملك حراسُه طردك لمجرد أن هندامك لم يرق لهم.
لا تندبوا فقدان حسابي، بل اتخذوه درسًا وعبرة. إن شيدتم مجتمعكم على ديسكورد، فأنتم تبنون قصورًا على رمالٍ يملكها إقطاعيٌ يمقتكم. إنكم تُكرهون مستخدميكم على تشغيل نصوص جافاسكربت غير حرة لمجرد إلقاء التحية، وتُخضعون رقابهم لإدارة القيود الرقمية.
أعودُ الآن إلى رحاب العالم الحر. يمكنكم التواصل معي عبر متركس وXMPP، وهي بروتوكولات حرة، كما أن عميل تلجرام حرُ المصدر، وبوسعي لقاؤكم عبره.